الم بقلم الأديب عبد اللطيف خضر

ألم..
الليل ينوح مودعاً تستيقظ على صوت نواحهما متأففة
لمَ كل هذا النحيب 
هل لانها غفت في تلك الليلة 
قبل أن تقشر لهما التفاح وتطبع قبلة الصباح على جبهة كل منهما
وتغلق خلفهما الابواب بصمت وقور
تباً لهما طفلان مدللان يحتلان تفاصيل حياتها الخاصة وساعات نومها 
وكل ذلك بحجة أن ذنوب الاطفال مغفورة 
لن تأبه لنحيبهما بعد اليوم
بعد أن اختارا غيرها لتكون أماً لهما 
فقلبها بات عاجزاً عن الغفرام 
إن القلوب القادرة على الحب تستطيع أن تغفر ما تشاء 
أما قلبها فعاطل عن الحب حتى اشعار آخر 
ستعود إلى نومها وكأن الليل لم يأت زاحفاً وكأنه لن يعود 
وكأن نواحه صدى صمت هذا الوجود .
تدير ظهرها إلى الطرف الآخر من السرير 
فتثير سخط الغطاء
ويؤنبها السكون الهائم في الهواء كيف تدير ظهرها هكذا ببساطة وتتناساهما
ألم يكن والدهما زوجها الحبيب 
ألم تعشق يوماً هدوءه وغموضه وتمضي في محرابه ساعات
تتعبد تناجي تبوح وتصغي إلى خباياه
في الصباح ترشف همه في فنجان قهوتها وتمضي بقية يومها وهي تعتق ذكراه 
تتعرض الروح المرهفة التي تسمع هذا التأنيب الجائر
تعزم على قهر ضعفها وتهيؤاتها الباطلة 
وتصر على أن تتشبث بالبقية الباقية من احساسها بالواقع
فتشيح الغطاء الساخط عن جسدها وتنهض بحركة واحدة تتجه صوب النافذة 
متفقدة المطر 
يهطل ببطء حنون
يحتضن الأرض التي ترتعش خوفاً من عبء الظلام 
لا يزال الافق حائراً وهي تقف أمامه عاجزة 
كيف تحتال على ادمان الارق وتقهر رغبتها الجامحة في تعاطي جرعاته كل مساء.
في المساء كل ليلة تخترع قصة ترويها لنفسها كي تنام 
وفي تلك الليلة يوم ذهب الطفلان دون عودة 
تخيلت نفسها قطعة طرية من العجين بيدي خباز ماهر يلوح بها في الهواء مرات عديدة ويمددها على زراعيه معتمداً على حدسه ويضعها على اللوح الخشبي لتكون لقمة سائغة يبتلعها ببطء
أتون النوم المتقد 
لكن الحطب ينفذ فجأة وتخمد النار فيمضي ذلك الخباز ٱلى بيته وعائلته
ويتركها قطعة لا تشبه العجين ولا الرغيف يابسة باردة 
أمضت ليلة كاملة في موقد مطفأ 
تترك الافق في حيرته تحت المطر 
خلف النافذة 
وتعود إلى وحدتها 
صمت يعانق الجدران الغافية يقبلها
ويهمس في اذنيها انغاماً ليحميها من لبس الكلام
لم يكن ثمة صوت يعلو على ضربات قلبها المتواترة وهدير الدم في اوردة عنقها 
للوحدة نغمة خاصة
يضبط ايقاعها القلب
وتشترك في عزفها أنامل الحواس
من لا يسمعها يعجز عن فهم نفسه 
ومن يبالغ في الإستماع لها 
يغرق في لجة لا قرار لها ويتوه في العدم 
تتجول في الظلام قليلاً فيزحف ظلها مع خطوتها المتواترة ثم فجأة يبتعد عنها
متسلقاً حائط غرفتها المكتظ بصور عائلية قديمة 
ويختفي من دون اثر.
عبثاً تحاول تهدئة دقات قلبها التي بدأت تتسارع 
يزداد هدير الدم في اذنيها ليصبح اصواتاً تعلو وتخبو 
تتحرر الصور من قيود اطرها 
ويجتمع اصحابها بهيئآت مختلفة 
مشكلين حلقة محكمة الإغلاق من حولها 
تقف في المنتصف كحبة مطر على وشك السقوط في خضم بحر هائج 
تتخبط في محاولة يائسة إنتشال نفسها من بحر الذكريات 
تقاوم 
تبحث عن حطام مركب لا أثر له تقاوم وتقاوم ثم تغمض عينيها وتستسلم للغرق 
من قال ان المرء لا يرى شيئاً إذا اغمض عينيه 
هاهي ترى امامها 
أقدم رجل احبته 
اختلفا على أحقية الطفولة بينهما
تحتاج إلى الحنان الذي يحتاج إليه 
تريد اماناً كان يفتقده 
تبحث في صندوق العابه عن بطل شجاع يخوض الحرب ويهزم اعداءه 
فلا تجد غير بطل محاصر خلف اسوار قلعته بعد ان خسر الجولة الاخيرة في حرب طويلة فقد اثناءها قراره و زراعه ورفع بالآخري راية نقمته واستسلامه 
منذ ذالك الوقت اختلفا وتباعدت بينهما المسافات والحاجات 
وتوارى خلف صقيع الصمت 
جمر اللوم ورماد الكلمات.
هي كانت تريد الاولاد وغيرها يريد الاولاد 
كل منهما يشد إلى طرفه 
بالعناد واللهفة نفسها في الوسط كانت ابنتي تتعرض للشد افلتاها معاً في لحظة يأس طفولي فوقعت وانكسرت 
كانتا تتقاسمان اللعبة ذاتها 
يرحل هو بعيداً تاركاًوراءه زوجتين لا تعرفان كيف تحبان رجلاً قد يخذلهما ويتخلا عنهما يوماً
هي صلبة وسريعة العطب في آن
قاسية وعاطفية حالمة في الوقت نفسه .
تعدو بجنون خلف الحب 
وتسابق هزيان اوهامه حتى خط الإخفاق 
وحين تعود مساء إلى سريرها 
منهكة الروح 
تجد قرب نافذتها صورة الطفلين 
لا تزالان تنظران بعينين دامعتين 
إلى السماء 
فتتصل لتقول لي أنا انتظر عودتك 
قبل أن يعود إلى قربها يقول لها سامحيني 
لا اريد ان تتخلي عني ولا اريد أن اكون وحيداً
كم يعرف الصغار عن عالم الكبار ويفهمونهم اكثر من فهمهم لانفسهم 
ولهذا كثير ما تتحكم الطفولة 
في مصير الإنسان 
لا حياة لجسد فارقته الروح عمراً باكمله
حان وقت الرحيل 
هذا ما كانت تقوله لي دائماً
المرأة التي اسكنها 
لم اصدقها يوماً لذلك  يئست مني ثمة خوف يشل قلبها لا احس به لكنني ادركه تماما. كما كنت ادرك وجعها 
ان فهمي لوجعكِ كان بمقدار محبتي لك 
بل اعمق واكبر 
لقد قتلت لهفتي إليك برصاص طائش
اطلقه القدر
فدفنت لهفتي في صدري ودفنت ٱلى جانبها لهفتي إلى الحياة بأثرها 
عبد اللطيف خضر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى غجرية بقلم الشاعر غسان الاستانبولي

بيلسان بقلم الشاعر غسان الاستانبولي

ارحلي ياطيور بقلم الشاعر علي نزال الشيحان