حبك ياسيدتي بقلم الشاعر علي عمر
حُبُّكِ يا سيِّدتي
كَذُبولِ زَنابقِ أُمنياتٍ مَبتورةٍ
تتساقَطُ منْ جيوبِ روضاتِ
أحلامي الورديَّةِ
كَحَسَراتِ سنابلِ وَجْدٍ
أنهكَها اليَباسُ
تلهَثُ خلفَ حبَّاتٍ منْ مطرٍ
في جَوْفِ غيمةِ عِشْـقٍ
تُحتضَرُ بهُدوءٍ و رَوِيَّةٍ
كأُنشودةٍ مُتسوِّلةٍ
تجولُ في شوارعِ اليأسِ
تتلو ترانيمَ شَقائِها
على أرصفةِ الضَّجَرِ والضَّوضاءِ
قَصَّتْ ضفائِرَ ألحانِها الغَجَريَّةِ
كفراشةِ شوقٍ عَمياءَ تَعِيسةٍ
مكسورةٌ جناحاها
تلاشَتْ ضياءً لآلِئُ آمالِها
تحتَ أقدامِ جُنونِ أشواكِ ظلامٍ
لَسَعاتُ سوادِهِ سرمديَّةٌ
حَبُّكِ يا سيِّدتي
حقولٌ عِذابٌ و سياطُ أحزانٍ
تَجْلِدُ روحي الأسيرةَ
بينَ أسوارِ جَحيمِها المسعورِ
كلَعنةٍ أبدِيّة
………
(1)
قراءة نقدية بعنوان " سرمدية الوجد "
عن قصيدة " حبك يا سيدتي " للشاعر علي عمر
بقلم دنيا عوض عبده
Donia Awad Abdo
صورٌ بديعية موغلة في القتامة ، حيث وجدها المكظوم يتبارى مع سرمدية العدم الرابض في جنبات حياةٍ لُثِمت على نفسٍ تهيم بجراحها عبر الآفاق و عجيب و غريب و أيضاً فريد تلك التراكيب الفنية البديعة الموجعة التي وُلدت من رحم الوجد العفيف الذي يكسو الحياة في فضاء أرض مكلومة تُنشد أملاً مشبوب بالسعي صوب باب الرجا .
وقد أبدع الشاعر في مقاربته و تراكيب صوره الفنية ( المضطربة ) حتى أضحى الحبُ من كونه ترياق و أكسير يمد الحياة بالأمل المتجدد ، نراه مثبطاً للهمم باعثاً على الذبول و الضياع ، حتى ليبدو الطباق في غير موضعه كما لو كان مُقحماً على النصِ أو على الحالة الشعرية الباحثة عن ظِلال وسط مشهدٍ مأساوي الجنبات ، يبعث على القنوط ..!
وعلى الجملة تنساب تعابير الشاعر وسط لجة مضطربة أرادها بيئة لأبياته ، ( فالزنابق ، الأمنيات ، الذبول ، البتر ، روضات ، حسرات ، سنابل ، يباس .. إلخ ) شكلت بيئة حاضنة لوجد الشاعر وهيامه وتراكيب صوره رغم ما يبدو عليها من تضاد و تنافر !
وسنرى هذه الصور وتلك التراكيب متكررة بنسقٍ مفرط في لجاجة محاطة بالوجد و محاصرة بهالات الإظلام ، حتى الحُلم لم يسلم من حالة البوار و العوار و التصحر و اليبوس !
حُبُّكِ يا سيِّدتي
كَذُبولِ زَنابقِ أُمنياتٍ مَبتورةٍ
تتساقَطُ منْ جيوبِ روضاتِ
أحلامي الورديَّةِ
كَحَسَراتِ سنابلِ وَجْدٍ
أنهكَها اليَباسُ
ويمضي الشاعر بإصرارٍ وإسهاب على درب مقاربته فيرى الغيث الباعث على الحياة فرط قطراتٍ مِلحية تتساقط من عليّ على باقات الحب فتحيلها إلى باقات من العتمة تحتضر فيها أحلام العاشقين فتسود لجة القنوط التي على ما يبدو يقنعنا الشاعر أن لا فكاك منها !
تلهَثُ خلفَ حبَّاتٍ منْ مطرٍ
في جَوْفِ غيمةِ عِشْـقٍ
تُحتضَرُ بهُدوءٍ و رَوِيَّةٍ
كأُنشودةٍ مُتسوِّلةٍ
تجولُ في شوارعِ اليأسِ
وهكذا يمضي الشاعر في دفق بليغ يُعمق صوره و تراكيبه وهو يخوض عباب بحرٍ تغشاه العتمة ، حيث لا شطآن له و لا مراسي فيه و حيث الأماني تجوب الأرصفة العتيقة فتحمل منها أنشودتها الحزينة ، حتى أطيار الجمال و فراشات الود يتكسر بديع ريحها فبدت كحالةٍ عجائبية ، فكيف للفراشات أن تتكسر أضلعها وهي الباحثة عن خمائل الرحيق فتضيع على أعتاب قسوة الوجدِ ومرارة الملحِ و ملمات الشقاء ..!؟ وحتى اللآلئ - كما الفراشات في عرف القصيد - تدنو صوب العدم كالمستجير من الرمضاء بالنار !!
تتلو ترانيمَ شَقائِها
على أرصفةِ الضَّجَرِ والضَّوضاءِ
قَصَّتْ ضفائِرَ ألحانِها الغَجَريَّةِ
كفراشةِ شوقٍ عَمياءَ تَعِيسةٍ
مكسورةٌ جناحاها
تلاشَتْ ضياءً لآلِئُ آمالِها
تحتَ أقدامِ جُنونِ أشواكِ ظلامٍ
لَسَعاتُ سوادِهِ سرمديَّةٌ
هي إذاً تراتيل نفس الشاعر في بحثها عن الخلاص ، فتعود قريحته للعزف الحزين على أوتار ملتهبة فتبدو صوره و تراكيبه حتى النهاية مُحملة بصنوف من العذابات تعبث بها خلجات القنوط و أساوير السياط التي تُكبل الروح و تُغرق النفس في متاهاتِ وجدٍ سرمدي موغل في صبابةٍ يكسوها الألم العتيق .
و يبقى السؤال مُشرعًا في كل هذا التيه : أأراد الشاعر رثاء حاله أم عزاءاً لحب هذي السيدة الذي شيعه من اللحظ الأول ..
ومن خلف كل هذا التيه هنالك بوحٌ خفيٌ - يلتمسه رهيف الحسِ - يُبشر بفجرٍ صبوح عله يطل برأسه ولو بعد حين !!
حَبُّكِ يا سيِّدتي
حقولٌ عِذابٌ و سياطُ أحزانٍ
تَجْلِدُ روحي الأسيرةَ
بينَ أسوارِ جَحيمِها المسعورِ
كلَعنةٍ أبدِيّة
……………
(2)
الدراسة النقدية . فضل طالب الغزالي
النص ..
حبك سيدي .. الأديب .. علي عمر
تناول النص حباً مقتولاً في مهده محطماً أحلامه حبسه جحيم لوعته وأناته رسمه بصور فائقة الإبداع مع أحوال الطبيعة وتناقضاتها في الحقول مع النسيم والمطر في الطرقات مع الزهور والفراشات السنابل والثمار أعجبني كثيراً الصور الفنية حيث أسقط الحب المقتول في صور قاتمة في أحوال الطبيعة وتعيش روحه عذاباً قاتماً لئيماً طوال العمر لتكون حكماً مؤبداً يتقلب على جمر حبه المقتول
وددت تغيير لعنة أبدية ب حكماً مؤبداً أتقلب على جمر أشواقي يا من قتلت حبي في ريعانه.
……..
(3)
قراءة انطباعية في نص : حبُّك يا سيدتي
الشاعر : علي عمر
بقلم الأديبة : زهراء هاشم حلوم
Zahraa Halloum
———————-
النص يتميز بلغة شعرية مكثفة وعميقة تنبض بمشاعر حزينة وتعبّر عن حبٍّ من طرف واحد خصوصاً أن الحلم الوري يُعنى بذلك، ويبدو أن الشاعر يعاني من شدَّة اليأس والحسرة، يستخدم لغة تشبيهية تصويرية ثرية، يعكس بها عمق مشاعره وفداحة معاناته بأساليب كثيرة، فتارة يصف هذا الحب بلغة تعبّر عن الألم الذي يعتريه، فيشبهه بـ”ذُبولِ زَنابقِ أُمنياتٍ مَبتورةٍ” و”حَسَراتِ سنابلِ وَجْدٍ أنهكَها اليَباسُ”، وكأن هذا الحب يقبع على حافة الانهيار، ويحيط به الانكسار والذبول وتارةً أخرى يصفه باللهث خلف حباتِ المطر ولكنها أيضاً تلقى احتضارها بشغفٍ نحو الشَّقاء.
من الناحية اللغوية، استخدم الشاعر الفصحى المركّبة، مع توظيف عبارات وصور تعبيرية عميقة مثل “جيوبِ روضاتِ أحلامي الورديَّةِ” و”تتلو ترانيمَ شَقائِها على أرصفةِ الضَّجَرِ والضَّوضاءِ”، هذا الأسلوب البلاغي يُظهر حِرفية الشاعر في استخدام الصور الفنية المركبة، حيث يوظف المشهد البصري والسَّمعي ليعبر عن حالات من العذاب المتكرر، وتعبّر الصور عن الجوانب الحسية لمشاعره بشكل متكامل.
كما أنها تحمل مفارقات لغوية واضحة وهذا إن دل، فإنه يدلُّ على تمكن الشَّاعر في التراكيب والمعاني والكلمات التي يجترها ويستخدمها كجذوة ساطعة من الجذب.
وما يلاحظ أيضلً أن هنالك تلاعب موسيقي ظاهر في النص، يبدأ من تكرار حرف “السين” في بعض الجمل، ما يعطي النص إيقاعاً موسيقياً خاصاً، مع انسجام الحروف الصوتية “الضاد” و”الظاء” و”الدال” التي تمنح الجمل نغمة ثقيلة تتناسب مع الحالة النفسية العميقة التي يعاني منها الشاعر، وبعضاً من السجع والجناس في الكلمات ، هذا التوظيف الموسيقي العميق يبرز حالة الألم والشعور بالعجز، حيث يوحي تكرار بعض الأصوات وجرسها بثقل العاطفة وكثافة الحزن.
أما التركيب، فالنصّ يعتمد على سرد مقطعي يتنقل فيه الشاعر بين صور وأوصاف مختلفة تعكس تعدد الأبعاد في مشاعره، فيبدأ بوصف الحب كزهور ذابلة ثم ينتقل لتصويره كأنشودة متسوّلة جوّالة، ويتحوّل بعدها لوصف هذا الحب كحقول مليئة بالآلام “وسياط أحزان”، هذه الانتقالات تمنح النص إيقاعًا انسيابيًا وتجعل القارئ يتنقل بين المشاهد التصويرية بانسيابية، مما يعزز من عمق الإحساس باليأس والأسى.
في المجمل، النص يتسم برومانسية مؤلمة، حيث يوظف الشاعر الصور الحسية والحركية والموسيقية ليحكي قصة حب عميقة لكنها ملؤها الحزن، كأن هذا الحب قد أصبح لعنة أبدية تربط روحه بأسوار من الجحيم.
أحسنتَ وأبدعتَ شاعرنا القدير
مع امنياتي لكَ كلَّ التوفيق والتألق
قراءة انطباعية بقلم الأديبة: ليلى كو
قصيدة “حبك يا سيدتي” للشاعر علي عمر تقدم تجربة شعرية غارقة في الزمان والمكان العاطفي، ولكنها تتحرر من كل القيود التقليدية. هي ليست مجرد حديث عن حب ضائع أو خيبة أمل، بل هي لغة متمردة، تتحدى التوقعات وتجسد تفاعلاً مع العاطفة لا يُطَاق. في هذه الأبيات، نجد أن الحب ذاته يتحول إلى شيء مستحيل، ليس بسبب غياب المبالاة، بل لأنه يصبح جرحًا يرفض أن يلتئم، وطريقًا لا يعود فيه إلى الخلف أو الأمام.
استخدام الصور المشحونة بالألم - مثل “زنابق أمنيات مبتورة” و”حسرات سنابل وجد” - ليس مجرد تزيين لغوي، بل هو محاولة لصياغة واقع بديل، واقع يطفو على سطحه الحزن، لكنه في جوهره يكشف عن قلب متشظٍ وغير متصالح مع نفسه. الصور البصرية تصبح مرآة لواقع داخلي معتم، حيث لا مكان للراحة أو الرغبة في الشفاء.
تعليقات
إرسال تعليق